الحج قبل الإسلام
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن قريشا كانت تحج إلى البيت الحرام قبل الإسلام، غير أن صفة حجهم و طوافهم و إفاضتهم و غير ذلك مخالف لما أتى به الّإسلام الذي أبطل عددا من تلك الطقوس و العادات و أبقى على الآخر. و تروي عائشة رضي الله عنها أن المسلمين كرهوا أن يطوفوا بين الصفا و المرو لأن المشركين كانوا يقومون بهذا الفعل، فأنزل الله تعالى إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ .
و الحج فرض إلاهي قديم دأب عليه الناس منذ بناء ابراهيم و اسماعيل عليهما السلام الكعبة. كان العرب يقدسون الكعبة باعتبارها البيت الحرام، و شمل التقديس مكة و المناطق المجاورة لها. و كان العرب يجيؤون إلى مكة من كل فج في الجزيرة العربية في موسم الحج، فتشهد مكة بذلك نشاطا تجاريا و اقتصاديا و ثقافيا.
و بحسب المؤرخين، فإن أول من أدخل عبادة الأصنام إلى مكة عمرو ابن لحي الخزاعي أمير مكة. و كان العرب في تلك الفترة قد فتر لديهم الوازع الديني و تهاونوا عن العقيدة الحنفية التي دعا إليها ابراهيم و اسماعيل. لقد كانت الكعبة مصدر رزق أهل مكة، و لما كانت الأوثان هي التي تجعل القبائل العربية تهب إلى مكة، اهتم القرشيون بها و أنشؤوا أماكن للشقاية في مكة و وفروا الطعام... ثم أصبح لكل قبيلة أوثانها تزار في المواسم و تقدم إليها القرابين. و قد اتخذت قريش من المنطقة المجاورة للكعبة المشرفة حرما مقدسا يمنع فيه القتال. و أقرت للمقيمين داخل المنطقة الحرام حق المواطنة و سمت المتمتعين بهذا الحق باسم الحمس ( جمع أحمس)، أي أبناء البلد." وقد جعلوا للحمس علامة وهي ألا يعظم الأحمس شيئاً من الحل – أي الأرض التي وراء الحرم – كما يعظم الحرم ، فإذا فعل ذلك استخفت العرب بحرمته ، ولذلك ترك الحمس الوقوف بعرفة – لأنه خارج عن الحرم – والإقامة منها مع إقرارهم بأنها من مناسك الحج ، فأظهروا بذلك شدة تعصبهم لبقعة من الأرض ، وترفعوا أن يخرجوا عنها ولو كان في خروجهم إتمام لمشاعر الحج". و قد فرض الحمس على الحجاج العرب ألا يطوفوا بالبيت إلا بثياب الحمس، فإن لم يجدوا طافوا عراة، و أصبح الطواف مع العرى من مشاعر الحج". |
قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه و سلم ظهرت حركة إصلاحية أرادت العودة إلى العقيدة الحنفية، و نبذ الأوثان. و قد أطلق على هذه النزعة التحنف و على أصحابها الحنفاء. " وقد كافح الحنفاء من أجل القضاء على الوثنية ورذائل الجاهلية ولكن جهودهم لم تنجح في الخلص من الماضي والقضاء على التقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد ، فلم يكن لهم من القوى المادية ومن السلطة السياسية ما يمكنهم من أن يصارعوا التعاليم والعادات القديمة والطقوس الدينية والشعائر المقدسة التي كانت قد تشابكت مع حياة العرب ، ولا يمكن القضاء عليها إلا بإعادة بناء المجتمع العربي من أساسه ، وهذا ما نجح الإسلام فيما بعد في تحقيقه ، إذا خلق مجتمعاً إسلامياً نقياً متماسكاً ".
طقوس الحج في الجاهلية
كان العرب قبل الإسلام يفدون إلى الكعبة لأداء الحج من كافة أرجاء الجزيرة العربية و كانت أشهر الحج عندهم حرما. و قد خصصوا للحج ثلاثة أشهر رغم أن موسم الحج لا يستغرق سوى شهر و أيام معدودة.
أول ما كانوا يقومون به هو الطواف بالكعبة (سواء في الحج أو العمرة). و لم يكونوا يجمعون بين الحج و العمرة و يعدون ذلك أفجر الفجور. كما كان الحجر الأسود مقدسا لدى الحجاج.
و كان الحجاج يسعون بين الصفا و المروة في الجاهلية، و يلبسون المآزر التي يعده الأحماس، فإن لم يجدوا طافوا عراة حتى حرم الرسول عليه الصلاة و السلام ذلك في السنة التاسعة للهجرة. و من علامات التحلل من الإحرام لديهم الحلق و التقصير.
و كان الحجاج في الجاهلية أيضا يقفون بعرفة علامة على الانتهاء من أداء طقوسهم، ثم يذبحون الهدي، و كانوا يحترمون الدبائح فلا يمسوها و يتبرعون بها إلى الفقراء، و يلطخون جدران الكعبة بدماء الهدي اعتقادا منهم أن ذلك يقربهم إلى الله.
لقد كان الحج لدى العرب قبل ظهور الإسلام مناسبة دينية و ثقافية و اجتماعية و اقتصادية يلتقون فيه للعبادة و المتاجرة و التعارف.
137